أَلْتُ أبِي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103]، هُمُ الحَرُورِيَّةُ؟ قالَ: لا، هُمُ اليَهُودُ والنَّصَارَى؛ أمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بالجَنَّةِ وقالوا: لا طَعَامَ فِيهَا ولَا شَرَابَ، والحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وكانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الفَاسِقِينَ.
الراوي : مصعب بن سعد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 4728 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الشرح:
الحَرُوريَّةُ فِرقةٌ مِنَ الخوارجِ، وهمْ مِن أشدِّ الفِرقِ المبتَدِعةِ الَّتي ابْتَلَى اللهُ بهم أهْلَ الإسلامِ، ويُنسَبون إلى قريةٍ كانت بقُربِ الكُوفةِ تُسَمَّى حروراءَ، منها خرجوا على عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهم يُكفِّرونَ المسلمينَ ولا يَتورَّعونَ عَن دمائِهم، مع أنَّهم يَجتهِدونَ في العبادةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ!
وفي هذا الحديثِ ظنَّ التابعيُّ مُصْعَبُ بنُ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ أنَّهم همُ الأَخسرونَ أعمالًا الَّذين أنْبَأَ عنهمُ اللهُ تعالَى في قولِه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103- 104]، ولكِنْ بيَّن له أبوهُ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ المرادَ بالأخسرين أعمالًا في هذه الآيةِ: اليهودُ والنَّصارى، فأمَّا اليهودُ فكذَّبوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا النَّصارى فكَفَروا بِالجنَّةِ وقالوا: لا طعامَ فيها ولا شرابَ. ولا شكَّ أنَّ كُفرَ النَّصارى وضَلالهَم مِن وُجوهٍ كثيرةٍ غيرِ إنكارِهم الجنَّةَ، وهمْ كاليهودِ مُكذِّبونَ بنُبوَّةِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ووَجهُ خُسرانِهم أَّنهم تعَبَّدوا على غيرِ أصلٍ؛ فابتدعوا فخَسِروا الأعمارَ والأعمالَ، وقد كان أوائِلُهم على حَقٍّ، فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينِهم.
وقيل: إن المرادَ بالأخسَرينَ أعمالًا هم الصَّابِئون. وقيل: هم المنافِقون بأعمالِهم المخالِفون باعتقادِهم. وهذه الأقوالُ كُلُّها تقتضي التخصيصَ بغَيرِ مخصِّصٍ، والذي يقتضيه التحقيقُ أنها عامَّةٌ، ولا تخُصُّ طائفةً بعَيْنِها؛ فأمَّا القَولُ بأنهم الحروريَّةُ فمعناه أنَّ الآيةَ تَشمَلُهم كما تشمَلُ أهلَ الكِتابَينِ -اليَهودَ والنصارى- وغيرَهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخُصوصِ، بل أعَمُّ من ذلك؛ لأنَّها مَكِّيَّةٌ قبل خِطابِ أهلِ الكِتابِ ووُجودِ الحَروريَّةِ. فالآيةُ عامَّةٌ في كلِّ من دان بدينٍ غيرِ الإسلامِ، وكُلِّ من راءى بعَمَلِه، أو أقام على بدعةٍ؛ فكان من الأخسَرينَ الذين كانت خَسارتُهم في عَمَلِهم أضعافَ خسارةِ غَيرِهم؛ وذلك أنَّهم أتعَبوا أنفُسَهم في عَمَلٍ يرجون به فضلًا وثوابًا، فنالوا هلاكًا وعِقابًا.
ثُمَّ ذَكَرَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ الخوارجَ همُ الَّذين قال تعالَى فيهم: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27]؛ وذلك لأنَّهم خالَفُوا عهْدَ اللهِ إليهم في القُرآنِ مِن طاعةِ أُولي الأمْرِ بعْدَ إقرارِهم به، فكان ذلك نقْضًا منهم له، وكان سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِي اللهُ عنه يُسمِّي الخوارجَ: الفاسقِينَ.
أَلْتُ أبِي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103]، هُمُ الحَرُورِيَّةُ؟ قالَ: لا، هُمُ اليَهُودُ والنَّصَارَى؛ أمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بالجَنَّةِ وقالوا: لا طَعَامَ فِيهَا ولَا شَرَابَ، والحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وكانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الفَاسِقِينَ.
الراوي : مصعب بن سعد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 4728 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الشرح:
الحَرُوريَّةُ فِرقةٌ مِنَ الخوارجِ، وهمْ مِن أشدِّ الفِرقِ المبتَدِعةِ الَّتي ابْتَلَى اللهُ بهم أهْلَ الإسلامِ، ويُنسَبون إلى قريةٍ كانت بقُربِ الكُوفةِ تُسَمَّى حروراءَ، منها خرجوا على عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهم يُكفِّرونَ المسلمينَ ولا يَتورَّعونَ عَن دمائِهم، مع أنَّهم يَجتهِدونَ في العبادةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ!
وفي هذا الحديثِ ظنَّ التابعيُّ مُصْعَبُ بنُ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ أنَّهم همُ الأَخسرونَ أعمالًا الَّذين أنْبَأَ عنهمُ اللهُ تعالَى في قولِه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103- 104]، ولكِنْ بيَّن له أبوهُ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ المرادَ بالأخسرين أعمالًا في هذه الآيةِ: اليهودُ والنَّصارى، فأمَّا اليهودُ فكذَّبوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا النَّصارى فكَفَروا بِالجنَّةِ وقالوا: لا طعامَ فيها ولا شرابَ. ولا شكَّ أنَّ كُفرَ النَّصارى وضَلالهَم مِن وُجوهٍ كثيرةٍ غيرِ إنكارِهم الجنَّةَ، وهمْ كاليهودِ مُكذِّبونَ بنُبوَّةِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ووَجهُ خُسرانِهم أَّنهم تعَبَّدوا على غيرِ أصلٍ؛ فابتدعوا فخَسِروا الأعمارَ والأعمالَ، وقد كان أوائِلُهم على حَقٍّ، فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينِهم.
وقيل: إن المرادَ بالأخسَرينَ أعمالًا هم الصَّابِئون. وقيل: هم المنافِقون بأعمالِهم المخالِفون باعتقادِهم. وهذه الأقوالُ كُلُّها تقتضي التخصيصَ بغَيرِ مخصِّصٍ، والذي يقتضيه التحقيقُ أنها عامَّةٌ، ولا تخُصُّ طائفةً بعَيْنِها؛ فأمَّا القَولُ بأنهم الحروريَّةُ فمعناه أنَّ الآيةَ تَشمَلُهم كما تشمَلُ أهلَ الكِتابَينِ -اليَهودَ والنصارى- وغيرَهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخُصوصِ، بل أعَمُّ من ذلك؛ لأنَّها مَكِّيَّةٌ قبل خِطابِ أهلِ الكِتابِ ووُجودِ الحَروريَّةِ. فالآيةُ عامَّةٌ في كلِّ من دان بدينٍ غيرِ الإسلامِ، وكُلِّ من راءى بعَمَلِه، أو أقام على بدعةٍ؛ فكان من الأخسَرينَ الذين كانت خَسارتُهم في عَمَلِهم أضعافَ خسارةِ غَيرِهم؛ وذلك أنَّهم أتعَبوا أنفُسَهم في عَمَلٍ يرجون به فضلًا وثوابًا، فنالوا هلاكًا وعِقابًا.
ثُمَّ ذَكَرَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ الخوارجَ همُ الَّذين قال تعالَى فيهم: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27]؛ وذلك لأنَّهم خالَفُوا عهْدَ اللهِ إليهم في القُرآنِ مِن طاعةِ أُولي الأمْرِ بعْدَ إقرارِهم به، فكان ذلك نقْضًا منهم له، وكان سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِي اللهُ عنه يُسمِّي الخوارجَ: الفاسقِينَ.