"وهذه فلسطين التي عظَّمت حُرُماتك ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن، وتأرج ثراها بالأثر العاطر من إسراء محمد، وتضمَّخ بدماء الشهداء من أصحابه. واطمأنَّت- من أول يوم- قلوب أبنائها بهدي القرآن، وجنوبهم بعدل عمر، تسام الدون، وتقاسي عذاب الهون؛ قد اجتمع على اهتضامها عُتو الأقوياء، وكيد الضعفاء؛ يريدون أن يمحوا معالمك منها، ويحسروا ظلال الإسلام عنها؛ طرقت حماها غارةٌ شعواء، من الشهوات والأهواء، يحميها الحديد، وينافح عنها الذهب، وغمرتها قطعان من ذؤبان البشر، وشراذم من عبّاد المال، يريدون أن يحقّقوا فيها حلمًا غلطوا في تفسيره؛ وأن ينصبوا فيها مسيحًا دجّالًا، بعد أن كذّبوا المسيح الصادق؛ وأن ينتقموا فيها من المسلمين بعد أن عجزوا عن الانتقام من بابل ويونان، وفارس والرومان، وروسيا والألمان، وإيطاليا والإسبان؛ وأن يرثوها بدون استحقاق، ويجعلوا من بني إسماعيل خَوَلًا لبني إسحاق.
وهذه الجزيرة العربية مَجْلى البيان والوحي، ومسرح الخيال والشعر، ومنبت حماة الحقائق من قحطان وعدنان، تُنصب فيها أشراك الشركات ووراء كل شرك صائد؛ وتتناطح فيها رؤوس الأموال؛ ووراء كل رأس مال رؤوس حيوانية تفكّر في الكيد، وأيدٍ حريرية تحمل القيد؛ وأرجل تسعى للاحتلال والاستغلال؛ وقد فُجعت صحراؤها في الدليل الذي كان يستاف أخلاف الطرق (1)، بالدليل الذي جاء يستشفّ (2) أطباق الأرض، ويشتَفُّ (3) ما فيها من سوائل؛ وأصبح ما في بطن الأرض من الكنوز السائلة والجامدة بلاءً وشقاءً لمن على ظهرها من أهل وسكان.
وهذه مصر كنانة السهام؛ أرض العبقرية وسماء الإلهام، وقبلة العرب ومحراب الإسلام؛ تدفع بقوّة إيمانها ألوهية فرعون جديد. وتدفع بيقظتها كيد شيطان مريد، بعد أن أنقذها الإسلام من تعبّد الفراعنة الأولين؛ وإن فرعون الجديد لعالٍ في الأرض- كأخيه- وإنه لمن المفسدين"
ـ_________
1) الاستياف شم الدليل لتراب الأرض ليعرف أين موقعه عند الضلال، ومن هذا الفعل أخذت كلمة المسافة.
2) استشف الشيء صيّره شفافًا أو وجده كذلك بعد الاختبار.
3) اشتف ما في الإناء إذا أتى على آخره فلم يترك منه شيئًا.
~ البشير الإبراهيمي رحمه الله.
[«الآثار» (3/ 468)]
"وهذه فلسطين التي عظَّمت حُرُماتك ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن، وتأرج ثراها بالأثر العاطر من إسراء محمد، وتضمَّخ بدماء الشهداء من أصحابه. واطمأنَّت- من أول يوم- قلوب أبنائها بهدي القرآن، وجنوبهم بعدل عمر، تسام الدون، وتقاسي عذاب الهون؛ قد اجتمع على اهتضامها عُتو الأقوياء، وكيد الضعفاء؛ يريدون أن يمحوا معالمك منها، ويحسروا ظلال الإسلام عنها؛ طرقت حماها غارةٌ شعواء، من الشهوات والأهواء، يحميها الحديد، وينافح عنها الذهب، وغمرتها قطعان من ذؤبان البشر، وشراذم من عبّاد المال، يريدون أن يحقّقوا فيها حلمًا غلطوا في تفسيره؛ وأن ينصبوا فيها مسيحًا دجّالًا، بعد أن كذّبوا المسيح الصادق؛ وأن ينتقموا فيها من المسلمين بعد أن عجزوا عن الانتقام من بابل ويونان، وفارس والرومان، وروسيا والألمان، وإيطاليا والإسبان؛ وأن يرثوها بدون استحقاق، ويجعلوا من بني إسماعيل خَوَلًا لبني إسحاق.
وهذه الجزيرة العربية مَجْلى البيان والوحي، ومسرح الخيال والشعر، ومنبت حماة الحقائق من قحطان وعدنان، تُنصب فيها أشراك الشركات ووراء كل شرك صائد؛ وتتناطح فيها رؤوس الأموال؛ ووراء كل رأس مال رؤوس حيوانية تفكّر في الكيد، وأيدٍ حريرية تحمل القيد؛ وأرجل تسعى للاحتلال والاستغلال؛ وقد فُجعت صحراؤها في الدليل الذي كان يستاف أخلاف الطرق (1)، بالدليل الذي جاء يستشفّ (2) أطباق الأرض، ويشتَفُّ (3) ما فيها من سوائل؛ وأصبح ما في بطن الأرض من الكنوز السائلة والجامدة بلاءً وشقاءً لمن على ظهرها من أهل وسكان.
وهذه مصر كنانة السهام؛ أرض العبقرية وسماء الإلهام، وقبلة العرب ومحراب الإسلام؛ تدفع بقوّة إيمانها ألوهية فرعون جديد. وتدفع بيقظتها كيد شيطان مريد، بعد أن أنقذها الإسلام من تعبّد الفراعنة الأولين؛ وإن فرعون الجديد لعالٍ في الأرض- كأخيه- وإنه لمن المفسدين"
ـ_________
1) الاستياف شم الدليل لتراب الأرض ليعرف أين موقعه عند الضلال، ومن هذا الفعل أخذت كلمة المسافة.
2) استشف الشيء صيّره شفافًا أو وجده كذلك بعد الاختبار.
3) اشتف ما في الإناء إذا أتى على آخره فلم يترك منه شيئًا.
~ البشير الإبراهيمي رحمه الله.
[«الآثار» (3/ 468)]