#منهجيات
"مَنْشَأُ النَّبْزِ بِالابْتِدَاعِ: من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة قوي شأنها وكثر سوادها، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل، والمعتدل والمتطرف، والغالي والمتسامح، وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر، ورغيبة السواد الأعظم، وعليه درجت طوائف الفرق والنحل، فحاولت الاستئثار بالذكرى، والتفرد بالدعوى، ولم تجد سبيلاً لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها، وذلك بالحط من غيرها، والإيقاع بسواها، حسب ما تسنح لها الفرص، وتساعدها الأقدار، إن كان بالسنان، أو اللسان.
وأول من فتح هذا الباب -باب الغلو في إطالة اللسان بالمخالفين- الخوارج فأتى قادتهم عامَّتهم من باب التكفير، لتستحكم النفرة من غيرهم، وتقوى رابطة عامَّتهم بهم، ثم سَرى هذا الداء إلى غيرهم، وأصبحت غلاة كل فرقة تكفِّر غيرها وتفسقه أو تبدعه أو تضلله لذاك المعنى نفسه، حتى قيض الله تعالى من الأئمة من قام في وجه أولئك الغلاة، وزيَّف رأيهم، وعرف لخيار كل فرقة قدرهم، وأقام لكل منهم ميزان أمثالهم"
~ جمال الدين القاسمي رحمه الله (ت 1332 هـ).
[«الجرح والتعديل للقاسمي» (ص4)]
#منهجيات
"مَنْشَأُ النَّبْزِ بِالابْتِدَاعِ: من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة قوي شأنها وكثر سوادها، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل، والمعتدل والمتطرف، والغالي والمتسامح، وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر، ورغيبة السواد الأعظم، وعليه درجت طوائف الفرق والنحل، فحاولت الاستئثار بالذكرى، والتفرد بالدعوى، ولم تجد سبيلاً لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها، وذلك بالحط من غيرها، والإيقاع بسواها، حسب ما تسنح لها الفرص، وتساعدها الأقدار، إن كان بالسنان، أو اللسان.
وأول من فتح هذا الباب -باب الغلو في إطالة اللسان بالمخالفين- الخوارج فأتى قادتهم عامَّتهم من باب التكفير، لتستحكم النفرة من غيرهم، وتقوى رابطة عامَّتهم بهم، ثم سَرى هذا الداء إلى غيرهم، وأصبحت غلاة كل فرقة تكفِّر غيرها وتفسقه أو تبدعه أو تضلله لذاك المعنى نفسه، حتى قيض الله تعالى من الأئمة من قام في وجه أولئك الغلاة، وزيَّف رأيهم، وعرف لخيار كل فرقة قدرهم، وأقام لكل منهم ميزان أمثالهم"
~ جمال الدين القاسمي رحمه الله (ت 1332 هـ).
[«الجرح والتعديل للقاسمي» (ص4)]