جاء في سفر التكوين أن سلالة النبي نوح عليه السلام أرادوا بعد الطوفان أن "يقيموا لأنفسهم اسماً ومجداً دلالة على كبريائهم وتشامخ نفوسهم"، فبدؤوا ببناء برج بابل (في العراق حاليا)، وحلموا بأن يوصلوه إلى السماء، فعاقبهم الله وشتتهم في الأرض.
قد تكون هذه أسطورة أو لها أصل حقيقي، لكن المؤكد أن فرعون فكر بالطريقة نفسها، فجاء في القرآن الكريم: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}، فكان الطاغية المتأله مقتنع فعلا بأن عبيده سيشيدون له برجًا يصل إلى السماء، ثم يصعد ليتحقق من وجود الإله بنفسه.
هكذا تطغى عقول الجبابرة في كل العصور، فإذا توفرت لأحدهم الثروة والسلطة وطاعة العبيد اقتنع حقا بأنه إذا أمرهم ببناء الأعاجيب التي لم يسبقه إليها أحد فما عليهم إلا أن ينفذوا.
ثم رأينا بأعيننا ما سجله التاريخ من قصص الملوك والعبيد، فعندما وصل إلى السلطة أمير صغير في سن الواحدة والثلاثين، وألقى في السجن مئات الأمراء ورجال الأعمال والمشايخ بدون أن يعترض أحد، التفت إلى المليارات في خزينة الدولة، وقرر أن يحوّل أحلام الصبا إلى أعجوبة يباهي بها العالم ويخلّدها التاريخ، فأمر ببناء مدينة "ذا لاين" بين برجين متصلين ارتفاعهما نصف كيلومتر وامتدادهما 170 كيلومترا، وكي يبلغ التحدي مداه تخيّل الأمير أن يعلّق المهندسون برجا زجاجيا أخضر اللون سمّاه "الثريا"، ليتدلى كالزمرّدة المتلألئة في سماء الصحراء بعد تعليقه من قمته، ثم تمر سفن الترفيه العملاقة (كروز) واليخوت الفخمة من تحته في قناة مائية صناعية. وعندما اعترض بعض الناس على إخلاء بيوتهم لهدمها في موقع هذا الحلم، سارعت الحاشية لسجنهم وإعدام بعضهم.
لم يجرؤ المهندسون على مراجعة قوانين الفيزياء وإخبار الأمير بأن حلمه مستحيل، وانشغلوا بحفر الأساسات وقبض رواتبهم بانتظار الوقت الذي سينضج فيه الأمير ويكتشف بنفسه أنه مهما صمت الملايين من شعبه خوفا من بطشه فسيظل إنسانًا عاديًا، وأنه لن يقهر قوانين هذا العالم ولن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا، ولن يأتي اليوم الذي يصعد فيه إلى الثريا ليقول: يا قوم أليس لي مُلك نيوم وهذه الأنهار تجري من تحتي؟
ولو كان لقمان بيننا فربما قال: يا بني إنما هي أيام تمضي، على الشيخ في سجنه، وعلى الطاغية في قصره، ثم يمضي كل إنسان إلى قبره، و{لكل أجل كتاب}أحمد دعدوش
جاء في سفر التكوين أن سلالة النبي نوح عليه السلام أرادوا بعد الطوفان أن "يقيموا لأنفسهم اسماً ومجداً دلالة على كبريائهم وتشامخ نفوسهم"، فبدؤوا ببناء برج بابل (في العراق حاليا)، وحلموا بأن يوصلوه إلى السماء، فعاقبهم الله وشتتهم في الأرض.
قد تكون هذه أسطورة أو لها أصل حقيقي، لكن المؤكد أن فرعون فكر بالطريقة نفسها، فجاء في القرآن الكريم: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}، فكان الطاغية المتأله مقتنع فعلا بأن عبيده سيشيدون له برجًا يصل إلى السماء، ثم يصعد ليتحقق من وجود الإله بنفسه.
هكذا تطغى عقول الجبابرة في كل العصور، فإذا توفرت لأحدهم الثروة والسلطة وطاعة العبيد اقتنع حقا بأنه إذا أمرهم ببناء الأعاجيب التي لم يسبقه إليها أحد فما عليهم إلا أن ينفذوا.
ثم رأينا بأعيننا ما سجله التاريخ من قصص الملوك والعبيد، فعندما وصل إلى السلطة أمير صغير في سن الواحدة والثلاثين، وألقى في السجن مئات الأمراء ورجال الأعمال والمشايخ بدون أن يعترض أحد، التفت إلى المليارات في خزينة الدولة، وقرر أن يحوّل أحلام الصبا إلى أعجوبة يباهي بها العالم ويخلّدها التاريخ، فأمر ببناء مدينة "ذا لاين" بين برجين متصلين ارتفاعهما نصف كيلومتر وامتدادهما 170 كيلومترا، وكي يبلغ التحدي مداه تخيّل الأمير أن يعلّق المهندسون برجا زجاجيا أخضر اللون سمّاه "الثريا"، ليتدلى كالزمرّدة المتلألئة في سماء الصحراء بعد تعليقه من قمته، ثم تمر سفن الترفيه العملاقة (كروز) واليخوت الفخمة من تحته في قناة مائية صناعية. وعندما اعترض بعض الناس على إخلاء بيوتهم لهدمها في موقع هذا الحلم، سارعت الحاشية لسجنهم وإعدام بعضهم.
لم يجرؤ المهندسون على مراجعة قوانين الفيزياء وإخبار الأمير بأن حلمه مستحيل، وانشغلوا بحفر الأساسات وقبض رواتبهم بانتظار الوقت الذي سينضج فيه الأمير ويكتشف بنفسه أنه مهما صمت الملايين من شعبه خوفا من بطشه فسيظل إنسانًا عاديًا، وأنه لن يقهر قوانين هذا العالم ولن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا، ولن يأتي اليوم الذي يصعد فيه إلى الثريا ليقول: يا قوم أليس لي مُلك نيوم وهذه الأنهار تجري من تحتي؟
ولو كان لقمان بيننا فربما قال: يا بني إنما هي أيام تمضي، على الشيخ في سجنه، وعلى الطاغية في قصره، ثم يمضي كل إنسان إلى قبره، و{لكل أجل كتاب}أحمد دعدوش