الفتوى رقم: ٢٣٤
الصنف: فتاوى منهجية
للعلامة محمد علي فركوس حفظه الله
نصيحة لملتزم في وسط عائلي منحرف
السـؤال:
فضيلة الشيخ لي مشاكلُ مع والدي، أريد أن أطبق كتاب الله وسُنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولكن أهلي منعوني من ذلك، ولا أدري ما العمل، فما هي نصيحتكم لي؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالالتزامُ بشعائر الإسلام والتمسُّكُ بأخلاقِه والاعتصامُ بالكتابِ والسُّنَّة يقتضي وجوبًا الصبر واحتمال الأَذَى في ذات الله ذلك الأذى الذي يواجهه من أقرب الناس إليه نسبًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]، لذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما يلاقيه من أبناء عشيرته من أنواع الظلم والتعدِّي وكان صبورًا حليمًا يواجه المصائب بحكمة ويتبرَّأ من أعمالهم ويسأل الله هدايتهم، قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٤-٢١٥-٢١٦]، ومن خلال مكابدته لأنواع الظلم كتب الله له الفوز والنصر بسببه وقد جاء ذلك مصداقًا لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا»(١).
ثمّ إنّ مصاحبتَكَ للوالدين مأمور بها شرعًا ولو كانَا مشركين، لكن طاعتهما إنّما تكون في المعروف لا في المعصية لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٢)، وإذا أمرك والدُك بما يزيل الهدي الظاهري من لحية وقميص وغير ذلك ويتوعَّد بإخراجك من البيت فالواجب أن لا تخرج وأن تبقى وتصبر على ذلك الهدي ولو أوجعك ضربًا لِمَا هو معهودٌ في السيرة النبوية مع أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما كانوا يلاقونه من التعذيب لكنّهم صبروا على ذلك، والعجب لا ينقطع في امرأة من جملة عموم النسوة في عائلة محافظة -زعموا- تأبى إلاَّ أن تخرج بغير ضوابطَ شرعيةٍ وتصبر على الأذى الذي يصيبها من قبل الوالدين في سبيل الشيطان، وتبقى مُصرَّةً على ذلك حتى يلين قلب الوالدين ويصبح المنكر معروفًا في حقِّها، فلا يقع عليها لومٌ ولا عِتَابٌ ولا عقاب في خروجها ودخولها في عملها وتبرّجها وفي كافّة أعمالها بل يصبح والدها مطيعًا لها، وإذا كان الأمر كذلك أفما يحقُّ لِمُلْتَزِمٍ أن يجاهد في سبيل الله ويصيِّر المنكر معروفًا ولا ينال نصيبه من جهاده؟! هذا وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]، فإذا كان الجواب على الإثبات فما عليك إلاّ أن تبذل ما يسعك من أجل الفوز والنصر الذي وعد به المُتَّقون، فالنصر مع الصبر، فهو بضاعة الصديقين وشعار الصالحين قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(٣).
فعليك أن تتحمَّل وتَحْتَسِبَ ولا تشكو ولا تتسخَّط، ولا تدفع السيئةَ بالسيئة، وإنّما ادفع السيئةَ بالحسنة ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
(١) أخرجه الخطيب في «التاريخ»: (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي: (٤/ ١١١-١١٢)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وأخرجه أحمد: (٢٨٥٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: «السلسلة الصحيحة»: (٢٣٨٢).
(٢) أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية: (٦٧٢٧)، ومسلم في «الإمارة»، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية: (٤٧٦٥)، وأبو داود في «الجهاد»، باب في الطاعة: (٢٦٢٥)، والنسائي في «البيعة»، باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع: (٤٢٠٥)، وأحمد في «مسنده»: (٦٢٣)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) أخرجه مسلم في «الرقاق»: (٧٦٩٢)، وأحمد: (١٩٤٤٨)، من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه.
الفتوى رقم: ٢٣٤
الصنف: فتاوى منهجية
للعلامة محمد علي فركوس حفظه الله
نصيحة لملتزم في وسط عائلي منحرف
السـؤال:
فضيلة الشيخ لي مشاكلُ مع والدي، أريد أن أطبق كتاب الله وسُنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولكن أهلي منعوني من ذلك، ولا أدري ما العمل، فما هي نصيحتكم لي؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالالتزامُ بشعائر الإسلام والتمسُّكُ بأخلاقِه والاعتصامُ بالكتابِ والسُّنَّة يقتضي وجوبًا الصبر واحتمال الأَذَى في ذات الله ذلك الأذى الذي يواجهه من أقرب الناس إليه نسبًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]، لذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما يلاقيه من أبناء عشيرته من أنواع الظلم والتعدِّي وكان صبورًا حليمًا يواجه المصائب بحكمة ويتبرَّأ من أعمالهم ويسأل الله هدايتهم، قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٤-٢١٥-٢١٦]، ومن خلال مكابدته لأنواع الظلم كتب الله له الفوز والنصر بسببه وقد جاء ذلك مصداقًا لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا»(١).
ثمّ إنّ مصاحبتَكَ للوالدين مأمور بها شرعًا ولو كانَا مشركين، لكن طاعتهما إنّما تكون في المعروف لا في المعصية لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٢)، وإذا أمرك والدُك بما يزيل الهدي الظاهري من لحية وقميص وغير ذلك ويتوعَّد بإخراجك من البيت فالواجب أن لا تخرج وأن تبقى وتصبر على ذلك الهدي ولو أوجعك ضربًا لِمَا هو معهودٌ في السيرة النبوية مع أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما كانوا يلاقونه من التعذيب لكنّهم صبروا على ذلك، والعجب لا ينقطع في امرأة من جملة عموم النسوة في عائلة محافظة -زعموا- تأبى إلاَّ أن تخرج بغير ضوابطَ شرعيةٍ وتصبر على الأذى الذي يصيبها من قبل الوالدين في سبيل الشيطان، وتبقى مُصرَّةً على ذلك حتى يلين قلب الوالدين ويصبح المنكر معروفًا في حقِّها، فلا يقع عليها لومٌ ولا عِتَابٌ ولا عقاب في خروجها ودخولها في عملها وتبرّجها وفي كافّة أعمالها بل يصبح والدها مطيعًا لها، وإذا كان الأمر كذلك أفما يحقُّ لِمُلْتَزِمٍ أن يجاهد في سبيل الله ويصيِّر المنكر معروفًا ولا ينال نصيبه من جهاده؟! هذا وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]، فإذا كان الجواب على الإثبات فما عليك إلاّ أن تبذل ما يسعك من أجل الفوز والنصر الذي وعد به المُتَّقون، فالنصر مع الصبر، فهو بضاعة الصديقين وشعار الصالحين قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(٣).
فعليك أن تتحمَّل وتَحْتَسِبَ ولا تشكو ولا تتسخَّط، ولا تدفع السيئةَ بالسيئة، وإنّما ادفع السيئةَ بالحسنة ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
(١) أخرجه الخطيب في «التاريخ»: (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي: (٤/ ١١١-١١٢)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وأخرجه أحمد: (٢٨٥٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: «السلسلة الصحيحة»: (٢٣٨٢).
(٢) أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية: (٦٧٢٧)، ومسلم في «الإمارة»، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية: (٤٧٦٥)، وأبو داود في «الجهاد»، باب في الطاعة: (٢٦٢٥)، والنسائي في «البيعة»، باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع: (٤٢٠٥)، وأحمد في «مسنده»: (٦٢٣)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) أخرجه مسلم في «الرقاق»: (٧٦٩٢)، وأحمد: (١٩٤٤٨)، من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه.