Translation is not possible.
مأرب الجزء (3) :
 
استكمالا لوصف الهدهد لملكة سبأ فقد أكمل الهدهد حديثه عنها بقوله لسيدنا سليمان "وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم"
فالهدهد وهو من الطير ضمن جند سليمان عليه السلام كان ممن حشر لسليمان عندما ورث الملك من سيدنا داود عليه السلام قال تعالى: وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين. صدق الله العظيم
ولهذا استخدم الهدهد نفس عبارة سيدنا سليمان ليصف ما تملكه ملكة سبأ فقال وأوتيت من كل شيء ، وأضاف بأنها زيادة على سيدنا سليمان لها عرش عظيم. فينشغل سيدنا سليمان بقصة العرش الذي لا يملكه وتملكه هذه المرأة ليطمئن الهدهد بأنه نجى من عقاب سيدنا سليمان لتغيبه عن الجيش. طبعا هذا افتراء مني والله أعلم.
وأوتيت من كل شيء هنا لا تعني أوتيت من كل شيء في الوجود ولكن الحديث هنا عن الملك وبهذا يكون كل شيء مختصة بالملك فقط وبهذا يصبح المعنى بأنها أوتيت في ملكها كل ما يتطلبه الملك من قوة ومن بلاط ومن فخامة ومن حشم وخدم وأموال وغيرها.
ولكنها بالإضافة لهذا لديها عرش عظيم:
فما هو العرش؟ يخلط الكثير بين معنى الكرسي ومعنى العرش. فسيدنا سليمان كان لديه كرسي وهو ما يجلس عليه أثناء الحكم قبل أن يقوم من مقامه. لكن العرش شيء مختلف يمكن تفهم معناه من خلال القرآن الكريم الذي ذكر العرش بأشكال مختلفة:
... فهناك جنات معروشات وغير معروشات ،
... وهناك القرية الخاوية على عروشها ،
... وهناك الجنة الخاوية على عروشها ،
... وهناك رب السموات السبع ورب العرش العظيم.
... "وأوحى ربك للنحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون".
.... "ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون."
من خلال الآيات السابقة نستنبط أن العرشيختلف تماما عن الكرسي فهو عادة يكون عالي ومرتفع عن الأرض. ومن خلال القرية الخاوية على عروشها يتضح بأن العرش لا يخص الملك فحسب وقد يكون في القرية الواحدة عدة عروش. وهذا مغاير لما نفهمه حاليا بأن العرش مرتبط فقط بالملك.
عند محاولة تفسير معنى خاوية على عروشها نجد بأنها البيوت أو القصور التي سقطت أسقفها من الوسط وتدنت الجدران من الجوانب على هذه الأسقف المنهارة فصارت خاوية على عروشها بعكس ما هو مفترض أن يكون عليه هذه القصور بحيث يكون العرش في الأعلى والجدران والأعمدة من الأسفل ومحيطة به.
ولهذا قال تعالى: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. صدق الله العظيم
وهكذا فقد كان لملكة سبأ في قصرها أو معبدها عرش وصفة هذا العرش أنه عرش عظيم.
فكيف كان عرشها عظيم؟
نجد إجابتنا على هذا السؤال عندما حاولت البعثة الألمانية برئاسة الدكتورة آيريس جولاخ في سنة 2009م التنقيب في موقع عرش بلقيس بمأرب في محاولة لإعادة تركيب عرش بلقيس. ورغم الصعوبات التي واجهتها والحالة الأمنية الغير مستقرة في مأرب فقد استمرت البعثة ستة أشهر تمكنوا من تتبع القطع المختلفة والأثرية التي كانت جزء من هذا العرش والتي اختفي معظمها نتيجة استيلاء القبائل عليها واستخدامها وخصوصا تلك المنقوشة بالكتابات القديمة في بيوتهم اما كزيتة او ضمن مبانيهم. وبعد جهد كبير وتفاوضات عديدة مع مشائخ تارة كانت ناجحة يستعيدون من خلالها قطعة أو قطعتين وتارة كانت تنتهي بلا شيء ، فقد استطاعت البعثة تجميع معظم هذه القطع وعملوا على تركيبها بالإستدلال بما كان لديهم من مخطوطات قديمة وكذلك من خلال الإستدلال بالنقوش السبأية الموجودة على تلك القطع إلى أن وصلوا إلى القطعة المركزية للعرش وهي عبارة عن حجر مربع ومحفور في وسطه تجويف كانوا يطلقون عليه عليه "العين". وفي هذا التجويف كانت تثبت فيه حجر كبير يشبه الكهرمان.
وقد باءت محاولات البعثة في محاولة معرفة مصير هذا الحجر بالفشل. فقد كانوا يأملون أن يتعرفوا على السر والوظيفة التي كان يؤديها العرش لملكته السبأية من خلال هذا الحجر الغامض. وقد يحتاج الأمر لعدة محاولات مستقبلية عندما يصحوا أبناء سبأ ليتعرفوا على ما لديهم من كنوز معرفية وحضارية.
ولكن ما نتج عن هذه التجربة كان مفاجأة كبيرة لم يكونوا يتوقعونها. تبين لهم فعلا أنه عرش عظيم بحجمه وإرتفاعه الكبير الذي لا يتناسب مع حجم وطول الإنسان الطبيعي مما جعلهم يفترضون أن ملكة هذا العرش كانت من العماليق.
ولكن قد يكون هنالك فرضية أكثر تقبلا وهي أن ملكة سبأ ورثت هذا العرش ممن قبلها ونحن نعرف بأن قوم عاد العماليق كانوا يعيشون في اليمن وكانوا كما قال عنهم القرآن " يبنون بكل ريع آية" وكانت لهم علوم لم يصل إليها أحد كونها علوم لدنية من المولى عز وجل فقد قال لهم نبيهم هود عليه السلام وهو يذكرهم بأنعم الله عليهم "واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون" فقد أمدهم الله تعالى بالعلم أيضا.
وقد وصفهم الله تعالى في سورة العنكبوت الآية (38) بقوله "وكانوا مستبصرين" أي انه كان لديهم من العلم ما يجعلهم على بينة من معرفة حقائق ما حولهم أكثر من غيرهم الا انهم فضلوا الكفر على بصيرة.
وأنا افترض هنا أن هذا العرش من آثار صناعاتهم التي وصلت الى درجة أنهم كان لديهم القدرة على إطالة أعمارهم سعيا للخلود قال تعالى عنهم في سورة الشعراء الآية (129): "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" صدق الله العظيم
 
وفي الجزء القادم سنحاول أن نتلمس وظيفة هذا العرش وقيمته بالنسبة لملكة سبأ. ولماذا كان الشيء الوحيد الذي طلبه سيدنا سليمان ليحضروه من مملكة سبأ هو هذا العرش دون غيره ؟
 
للدكتور /ياسر الزماني
image
Send as a message
Share on my page
Share in the group