قال ابن القيم في ((مفتاح دار السعادة)) (٧٢١/٢) :
وتأمَّل حكمتَه تعالى في تسليط العدوِّ على العباد إذا جار قويُّهم على ضعيفهم ولم يؤخذ للمظلوم حقُّه من ظالمه، كيف يسلَّطُ عليهم من يفعلُ بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواءً.
وهذه سنَّته تعالى منذ قامت الدُّنيا إلى أن تطوى الأرضُ ويعيدُها كما بدأها.
وتأمَّل حكمتَه تعالى في أن جَعَل ملوكَ العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأنَّ أعمالهم ظهرت في صُوَر وُلاتهم وملوكهم؛ فإن استقاموا استقامت ملوكُهم، وإن عدلوا عدلوا عليهم، وإن جاروا جارت ملوكُهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكرُ والخديعةُ فوُلاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبَخِلوا بها منعت ملوكُهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحقِّ وبَخِلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممَّن يستضعفونه ما لا يستحقُّونه في معاملاتهم أخذت منهم الملوكُ ما لا يستحقُّونه وضربوا عليهم المُكوسَ والوظائف، وكلُّ ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجُه الملوكُ منهم بالقوَّة؛ فعمَّالهم ظهرت في صُوَر أعمالهم.
وليس في الحكمة الإلهيَّة أن يولَّى على الأشرار الفجَّار إلا من يكونُ من جنسهم.
ولما كان الصَّدرُ الأوَّلُ خيارَ القرون وأبرَّها كانت ولاتُهم كذلك، فلمَّا شابوا شِيبَت لهم الولاة، فحكمةُ الله تأبى أن يولَّى علينا في هذه الأزمان مثلُ معاوية وعمر بن عبد العزيز، فضلًا عن مثل أبي بكرٍ وعمر، بل ولاتُنا على قَدْرِنا وولاةُ من قبلنا على قَدْرِهم، وكلٌّ من الأمرين مُوجَبُ الحكمة ومقتضاها،
ومن له فطنةٌ إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمةَ الإلهيَّة سائرةً في القضاء والقدر، ظاهرةً وباطنةً فيه، كما في الخلق والأمر سواء.
فإياك أن تظنَّ بظنك الفاسد أنَّ شيئًا من أقضيته وأقداره عارٍ عن الحكمة البالغة، بل جميعُ أقضيته تعالى وأقداره واقعةٌ على أتمِّ وجوه الحكمة والصَّواب، ولكنَّ العقول الخفَّاشيَّة محجوبةٌ بضعفها عن إدراكها، كما أنَّ الأبصار الخفَّاشيَّة محجوبةٌ بضعفها عن ضوء الشمس، وهذه العقولُ الصِّغارُ إذا صادفها الباطلُ جالت فيه وصالت، ونطقت وقالت، كما أنَّ الخفَّاش إذا صادفه ظلامُ الليل طار وسار.
#islam
قال ابن القيم في ((مفتاح دار السعادة)) (٧٢١/٢) :
وتأمَّل حكمتَه تعالى في تسليط العدوِّ على العباد إذا جار قويُّهم على ضعيفهم ولم يؤخذ للمظلوم حقُّه من ظالمه، كيف يسلَّطُ عليهم من يفعلُ بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواءً.
وهذه سنَّته تعالى منذ قامت الدُّنيا إلى أن تطوى الأرضُ ويعيدُها كما بدأها.
وتأمَّل حكمتَه تعالى في أن جَعَل ملوكَ العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأنَّ أعمالهم ظهرت في صُوَر وُلاتهم وملوكهم؛ فإن استقاموا استقامت ملوكُهم، وإن عدلوا عدلوا عليهم، وإن جاروا جارت ملوكُهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكرُ والخديعةُ فوُلاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبَخِلوا بها منعت ملوكُهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحقِّ وبَخِلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممَّن يستضعفونه ما لا يستحقُّونه في معاملاتهم أخذت منهم الملوكُ ما لا يستحقُّونه وضربوا عليهم المُكوسَ والوظائف، وكلُّ ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجُه الملوكُ منهم بالقوَّة؛ فعمَّالهم ظهرت في صُوَر أعمالهم.
وليس في الحكمة الإلهيَّة أن يولَّى على الأشرار الفجَّار إلا من يكونُ من جنسهم.
ولما كان الصَّدرُ الأوَّلُ خيارَ القرون وأبرَّها كانت ولاتُهم كذلك، فلمَّا شابوا شِيبَت لهم الولاة، فحكمةُ الله تأبى أن يولَّى علينا في هذه الأزمان مثلُ معاوية وعمر بن عبد العزيز، فضلًا عن مثل أبي بكرٍ وعمر، بل ولاتُنا على قَدْرِنا وولاةُ من قبلنا على قَدْرِهم، وكلٌّ من الأمرين مُوجَبُ الحكمة ومقتضاها،
ومن له فطنةٌ إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمةَ الإلهيَّة سائرةً في القضاء والقدر، ظاهرةً وباطنةً فيه، كما في الخلق والأمر سواء.
فإياك أن تظنَّ بظنك الفاسد أنَّ شيئًا من أقضيته وأقداره عارٍ عن الحكمة البالغة، بل جميعُ أقضيته تعالى وأقداره واقعةٌ على أتمِّ وجوه الحكمة والصَّواب، ولكنَّ العقول الخفَّاشيَّة محجوبةٌ بضعفها عن إدراكها، كما أنَّ الأبصار الخفَّاشيَّة محجوبةٌ بضعفها عن ضوء الشمس، وهذه العقولُ الصِّغارُ إذا صادفها الباطلُ جالت فيه وصالت، ونطقت وقالت، كما أنَّ الخفَّاش إذا صادفه ظلامُ الليل طار وسار.
#islam